بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
من خلال تعاملي اليومي مع الذكاء الاصطناعي والخط العربي وبحكم التخصص أواجه دائما تحديا في تحديد ماهية المصطلح المناسب للتعامل مع كلا الموضوعين بسبب شمولية العنوان الخاص بكل منهما. فالخط العربي مثلا في نظر الكثيرين لا يتعدى الحروف المكتوبة بوضوح وجمال مما يؤدي لالتباس واضح في الدلالة الفنية التي يعتمدها المتحدث والمستمع كلا من جهته وما ينتج عن ذلك من ضبابية وعدم وضوح. فعلى سبيل المثال، يعبر البعض عن كتابة الكلمات بالحروف العربية بالخط العربي وهذا خطأ والبعض يخلط بينه وبين الحروف الطباعية typography وهو خطأ شائع آخر. وعلى نفس السياق وفي مجال الذكاء الاصطناعي فإن الدلالة الفنية لفهموم الذكاء الاصطناعي تختلط في الغالب مع مفاهيم أخرى كالأتمتةAutomation والتحكم Control وعلم الربوتات Robotics وغيرها. ولك أن تتخيل أن هذا اللبس يظهر في تحديد المفهوم العام للخط العربي والذكاء الاصطناعي فقط بدون الدخول إلى التفاصيل الدقيقة لكل منهما.
المعضلة هنا أن تحديد الدلالة الفعلية للمصطلح قد تكون أحيانا مستحيلة ولكنها تتم من خلال تقريب المفهوم من خلال سياق الحديث ولكل حالة على انفراد في الغالب. فمثلا عند الحديث عن الخط العربي كعنصر فني في الأعمال التشكيلية تختلط الدلالة تماما فيشار إلى أن كل ما كتب بالحرف العربي هو خط عربي على الرغم من أنه في حالات كثيرة لا يلتزم بالقواعد الفنية والجمالية للخط العربي التقليدي ولكن هذه الدلالة تتحول إلى دلالة مناسبة تماما إذا ما تم الحديث عنها من خلال مقارنتها باللغات الأخرى والتي تستعمل أحيانا الحرف العربي أيضا!!
وبالمثل فإن مصطلح الذكاء الاصطناعي لا يمكن تعريفه بشكل دقيق حتى الآن فهو يعرف على أنه تقنية تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، ويمكنها تحسين نفسها باستمرار بناءً على المعلومات التي تجمعها (أوراكل) ويعرف أيضا بأنه مصطلح شامل للاستراتيجيات والتقنيات المختلفة التي تجعل الآلات أكثر شبهًا بالبشر، ويتضمن أي شيء من المساعدات الذكية إلى المكانس الكهربائية الآلية والسيارات ذاتية القيادة (أمازون) ناهيك عن أنه وبسبب تشعب مجالات الذكاء الاصطناعي وتطوره المستمر فإن هناك اختلاف بين الذكاء الاصطناعي العام الذي يسعى لمحاكاة الذكاء البشري بالكامل، والذكاء الاصطناعي الضيق الذي يقتصر على تنفيذ مهام محددة مثل التعرف على الصور أو تحليل النصوص وكل هذا يطلق عليه نفس المصطلح وهو الذكاء الاصطناعي.
وعليه فإنني أرى أن حل هذا النوع من المشكلات يكمن في تفنيد وتعريف الدلالات المرادة بالمصطلح الفني من خلال المتخصصين وإصدار مصنفات شمولية تحدد أبعاد المفهوم والاستعمال الأمثل له بناء على ما تقتضيه الأحوال وتضمين هذه التصنيفات كجزء أساسي من عملية تعريف العمل أو النشاط الفني كالمشاريع والمسابقات والمناهج وهو ما يتم العمل عليه بشكل واسع في مجالات أخرى كالقانونية والهندسة والطب وغيرها وذلك من خلال ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
تأسيس لجان متخصصة في ضبط المصطلحات الفنية والتقنية، بالتعاون بين الجامعات، والمجامع اللغوية، والمؤسسات البحثية.
إدراج تعريفات دقيقة ضمن المناهج الأكاديمية، بحيث يتم تدريس الفروق بين المفاهيم القريبة مثل الخط العربي، التصميم الطباعي، والتصميم الرقمي.
إطلاق معايير رسمية للمصطلحات في المشاريع والمسابقات والمناهج، بحيث يتم تبني تعريفات موحدة عند الحديث عن هذه المجالات في الأبحاث العلمية، والمؤتمرات، والبرامج التعليمية.
نشر دليل مرجعي للمصطلحات الفنية والتقنية، يكون مرجعًا مفتوحًا للباحثين والممارسين في المجال-.
إن حل هذه الإشكالية ليس بالأمر السهل، ولكنه ممكن من خلال تكامل الجهود بين المتخصصين واعتماد معايير موحدة لضبط المصطلحات مما يسهم في تطوير هذه المجالات وتقليل اللبس والخلط المفاهيمي.
—————
سراج علاف
الرياض
٢٢/فبراير/٢٠٢٥