روحانية العمل الفني

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

يعتبر مصطلح (روح العمل الفني) أو (روحانية العمل الفني) مصطلحا متداولا بكثرة بين رواد الفنون وبالأخص فن الخط العربي ومن خلال الحديث والنقاش مع المهتمين تتشكل لدينا صورة هلامية لا يمكن تحديدها بدقة لمعنى هذه الروح. فالبعض يصفها بأنها الملامح العامة التي تشير إلى أن هذا العمل الفني منتج بواسطة إنسان له روح وليس عن طريق آلة صماء، والبعض الآخر يشبهها بالأمر الخفي الذي لا يمكن إلتماسه بواسطة الجوارح وإنما يلمس النفس البشرية من خلال مشاهدة العمل الفني وما ينتج عن ذلك من أحاسيس مستشعرة، فيما يذهب البعض إلى توصيفها من خلال الأدوات التي تم استعمالها لانتاج العمل الفني مثل الحبر والورق أو الأساليب الفنية التقليدية مثل الزخارف والإخراج الفني للعمل.

كل هذه التوصيفات وغيرها تعطي انطباعا جزئيا عن المفهوم الشخصي أو الجمعي عن مصطلح (الروح) ولكنها لا تصل إلى الحقيقة حسب وجهة نظري.

وبالعودة للمقال السابق عن أهمية المصطلحات والدلالات الخاصة بها، نجد أن هذه التوصيفات لا تعدو إلا محاولة لوصف أمر معنوي من خلال تقريبه إلى أمر حسي ملموس قابل للقياس. يقول الفيلسوف كروتشه في كتابه (المجمل في فلسفة الفن) أن (الفن حدس خالص) وهو بذلك يشير إلى أن مفهوم الجمال الذي نستشعره من خلال الاطلاع على الأعمال الفنية لا يرتبط أساسا بالتفكير المنطقي أو القدرة على تحليل العمل الفني بل بالحدس وهو ما يعرفه الفيلسوف الألماني شوبنهاور بأنه (المعرفة الحاصلة في الذهن دفعة واحدة من غير نظر أو استدلال عقلي).

وعلى جانب آخر فالمعرفة في الإسلام تنقسم إلى معرفة بعالمي الغيب والشهادة. ففي الفن الإسلامي، ترتكز كل الأعمال الفنية على قدرة الفنان على الربط بين المفاهيم الإسلامية الغيبية كالتوحيد والإخلاص والقدسية وبين الممارسات الفنية الحسية كالكتابة والزخرفة مما ينتج لنا أعمالا رمزية نستشعر من خلالها هذه الإشارات العميقة من الفنان والتي نطلق عليها اسم (الروح) مجازا

وعلى ذلك فمفهوم الروحانية في العمل الفني لا يرتبط بالأسلوب أو الأدوات أو الطريقة وإنما هو أمر مرتبط بشكل وثيق بالفكرة والدافع المعنوي والإيماني الذي اعتمد عليه الفنان حينما قرر تنفيذ هذا العمل الفني.

ومن هذا المنطلق أرى أن حصر مفهوم الروحانية في طريقة معينة أو أسلوب قديم أو فكرة محددة هو نوع من أنواع التضييق غير المبرر، فالفنان المسلم استطاع أن يعبر عن ما في جعبته من أفكار ومفاهيم من خلال الأدوات الفنية المتاحة له في العصر الذي كان فيه ولو أنه وجد من الأدوات ما يسهل عليه تنفيذ هذه الأعمال لاستخدمها. فلا عجب لدي في أن أجد عملا معاصرا يتميز بالروحانية وعلى شكل رقمي مثلا طالما كان الفنان متمكنا من أدواته وماهرا في تعامله معها.

يظل مفهوم الروحانية سرا من أسرار الفن، يمضي فيه الفنان والمتلقي طيلة حياتهم لمحاولة كشفه وفهم أبعاده غير المتناهية!!

لذلك أعتقد جازما أن جمال الرحلة يمكن فيها، لا في الوصول إلى نهايتها

 

سراج علاف

مكة المكرمة

٣ رمضان ١٤٤٦

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *